الله يعلن عن ذاته للبشر (الجزء الرابع)

[اقرأ

الجزء الثالث.]

إنّ التحدّيات والضغوطات في عالمنا وفي وسط بيوتنا تشوّش على قلوبنا وفهمنا. لم نعد نعرف من وماذا نصدّق وإلى الان كلّ واحد فينا يصدّق أو يتبع شيئا ما. إيماننا ومشاعرنا تبدأ وتنتهي في مكان معيّن.

عندما تسمع شيئا من أحدهم، تقرأ مقالا عبر الانترنت (مثل هذا المقال)، تتفرّج على برنامج في التلفزيون فإنّ هناك بوصلة* في دواخلنا تقودنا أن نقرّر بعض النتائج. في داخلنا هناك أسئلة تتكرّر بدون وعينا مثل: هل يمكننا أن نثق في مصدر المعلومة (التصديق)؟ هل أعجبني الخبر (المشاعر)؟ هل هذا يوافق نظرتي للعالم (الايمان)؟ مالذي أثاره هذا الامر في مشاعري وأفكاري (المشاعر)؟

هذه البوصلة تتشكّل (بطريقة صحيحة أو خاطئة) بحسب الخبرة والنشأة والثقافة والتعليم والاهتمامات والشخصية….

في الأخير نحن لا نعرف كلّ شيء بل نحن أيضا لا نستطيع رؤية أو فهم كلّ شيء كما أنّنا لا نعترف ولا نقرّ بهذا الأمر. الان وفي هذه اللحظة، هناك الملايين من التونسيّين الذين يتواصلون عبر الفاسبوك أو المقاهي أو في العمل والبيوت. عمّ يتحدّثون؟ الكثير من محادثاتهم تتمحور حول الاخبار المتداولة ومحاولة إقناع الاخرين بارائهم الشخصيّة أو التذمّر بسبب موضوع أو شخص معيّن. ولكن هل نتكلّم عن مدى جهلنا في ما يخصّ العديد من المواضيع؟ هل نقرّ بأخطائنا حول أمر معيّن؟ لا نتكلّم عن هذا في العلن أليس كذلك؟ في الواقع، لنكن صادقين فنحن لا نفتح هذا الموضوع حتّى في الخفاء ومع أنفسنا أليس كذلك؟ مع كلّ هذه الشكوك في العالم الذي يحيط بنا فنحن أيضا نشكّك في أنفسنا وفي قدرتنا على السعي إلى الحقيقة لوحدنا.

إذا ما الذي يمكننا تصديقه؟

أقترح أن نضع ثقتنا في الله ولا أقصد أن نكفّ عن طرح أسئلة عنه أو التفكير بعمق. إنّ الحقيقة ثابتة مهما كان رأيي أو رأيك في الموضوع. إنّ السعي وراء الحق لأمر رائع وليس من الخطإ أن نتساءل عن معتقداتنا السابقة. عندما قلت أنّنا نستطيع  الثقة في الله فأنا أقصد أنّ نصدّق في أنّ الله الذي صنعنا سوف يقودنا ويعلن لنا الحق بما أنّنا نسعى لمعرفته ومحبّته وطاعته. الله قادر أن يجيبنا على أسئلتنا ولكنّنا أيضا مسؤولون بدورنا لذلك لن يفيدنا كثيرا لو أمضينا كلّ الوقت مكتوفي الأيدي في انتظار أن يفعل شيئا لنا مثل إعلان نفسه لنا. ولكنّنا أيضا لن نتقدّم كثيرا إن حاولنا فعل كلّ شيء بحسب قوّتنا الشخصية وبدون الاعتماد على الله فيجب الاعتراف أنّه حتى القوّة التي تحثّنا للبحث هي متأتّية منه هو. أصلّي أنّ كلّ هذه المشاعر والإحباطات الداخليّة التي تكمن في داخلك سوف تكون بابا لنعمته الغنيّة التي تملأك بكلّ بركة وإعلان وسلام حقيقيّ.

أشجّعك في هذا الوقت أن تطّلع على الكتاب المقدّس (الانجيل) وتبدأ بالانجيل بحسب متّى. لتجعل قراءتك مرفوقة بالصلاة والدعاء إلى الله. كن صادقا مع الله ولا تعتمد على تجميع المعلومات أو الكتب أو اراء الاخرين. عند قراءتك سوف تنتبه إلى أشياء جديدة وسوف تصطدم مع حقائق أخرى. من المفترض أن تفهم أشياء من الوهلة الأولى وأن تضطرب لقراءة أشياء أخرى. تعامل مع الكتاب بتواضع وصدق واجعله يشكّل بوصلة حياتك. عندما تصطدم بأمر في الكتاب لا يوافق طريقة تفكيرك فلا تجزع بل اجعل من الكتاب يخلق لك طرقا جديدة للتفكير. عندما يتكلّم الله فمن المنطقي أن تتجاوز كلمته طرقنا الحاليّة في التفكير. نصرّ  دوما على أن الحقيقة المعروضة أمامنا يجب أن تتوافق مع بوصلتنا المحدودة وننسى أنّ هذه الأخيرة قد تأثّرت إلى حدّ كبير بخبراتنا الماضية ورغباتنا وعلاقاتنا.  لذلك من المهمّ كما قلت التواضع بعمق ونحن نسعى إلى معرفة وطاعة الاله الحي.

“إِنَّهُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ الْكَوْنَ وَكُلَّ مَا فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي لاَ يَسْكُنُ فِي مَعَابِدَ بَنَتْهَا أَيْدِي الْبَشَرِ، لأَنَّهُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَلَيْسَ بِحَاجَةٍ إِلَى خِدْمَةٍ يُقَدِّمُهَا لَهُ النَّاسُ. فَإِنَّهُ يَهَبُ جَمِيعَ الْخَلْقِ الْحَيَاةَ وَالنَّفْسَ وَكُلَّ شَيْءٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ الشُّعُوبَ جَمِيعاً مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَأَسْكَنَهُمْ بِلاَدَ الأَرْضِ كُلَّهَا، وَحَدَّدَ مُسْبَقاً أَزْمِنَةَ وُجُودِهِمْ وَحُدُودَ أَوْطَانِهِمْ، لِكَيْ يَبْحَثُوا عَنِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَهْتَدُوا إِلَيْهِ! فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعِيداً عَنْ أَيِّ وَاحِدٍ مِنَّا” أعمال الرسل 17: 24-27.